كــن أميــنـاً فى القليــل فيقيمــك الله على الكثيـــر
كن أمينا في القليل فيقيمك الله علي الكثير
بقلم: البابا شنودة الثالث
لعل إنسانا يقول الطريق الروحي طريق طويل. فكيف أبدأ؟ وكيف أصل الي نهايته؟ كيف يمكنني أن أصل الي الكمال المطلوب مني؟ والجواب علي ذلك سهل وممكن وهو كن أمينا في القليل، فيقيمك الله علي الكثير. فهذا الذي عليك أن تفعل. وليس لك أن تفكر في نهاية المطاف مرة واحدة. وأعرف أن أطول مشوار أوله خطوة. كن اذن أمينا في الخطوة الأولي، فيقيمك الله علي باقي الخطوات. كن أمينا من جهة النية. فيقيمك الله علي الامكانية. كن أمينا من جهة الارادة، فيسهل لك العمل.
- ان الشيطان قد يصعب لك الطريق ويقيده، ويضع أمامك مخاوف تصور لك الكثير المطلوب منك مما لا تستطيعه، وذلك لكي يوقعك في اليأس. أما الله فلا يطلب منك سوي الأمانة في القليل. سوف يأخذ بعد ذلك بيدك خطوة خطوة حتي تصل.. يكفي- من جهة ارادتك- أنك سائر في الطريق.
***
- تقول كيف تكون حياتي كلها ملك للرب؟ أقول لك: هناك يوم في الاسبوع مخصص لله، يوم عبادة وصلاة وخدمة له فكن أمينا من جهة الله في هذا اليوم، ولا تشغل وقتك بأمور أخري، وكن أمينا من جهة ذكرك لله في أوقات فراغك. حينئذ يبارك الله في باقي أيامك. ويعطيك فرصة ان تتفرغ له بالاكثر..
- بل أقول لك: كن أمينا من جهة نفسك. لكي يقيمك الله علي نفوس الناس. أختبر أولا أمانتك في تدبير نفسك. هذه التي هي معك كل حين. وتعرف كل أسرارها ونقط ضعفها، ويمكنك بسهولة ان تؤنبها علي أخطائها، ويمكنها هي أن تطيعك.. فإن كنت غير أمين في تدبير نفسك، فكيف تؤتمن اذن علي تدبير غيرك؟! ان لم تقدر علي قيادة نفس واحدة هي نفسك فكيف تقدر علي قيادة نفوس أخري ليست تحت طاعتك؟! صدق أحد الحكماء حينما قال الذي لا يكون أمينا علي درهم واحد، كاذب هو أن زعم أن يكون أمينا أن يؤمن علي ألف دينار!!
***
- أحيانا تقف يائسا امام اخطاء مسيطرة عليك، كأنها عادة متمكنة او طبع ثابت فيك، وأنت تصرخ ماذا أفعل لكي أخلص؟
كن أمينا فيما هو في مقدور ارادتك، يقيمك الله علي ماهو فوق ارادتك.
تقول وماذا أفعل من جهة الأحلام الخاطئة التي تأتيني وأنا نائم لا أملك ردها عني ؟! وهي أشياء راسبة وراسخة في عقلي الباطن!...
أقول لك: كن أمينا في ضبط عقلك الواعي، فيقيمك الله علي ضبط العقل الباطن. كن أمينا في مقاومة أخطاء الصحو، يقيمك الله بلاشك علي التخلص من أخطاء النوم. كن أمينا في حراسة فكرك أثناء النهار، فيقيمك الله علي نقاوة الفكر بالليل، ويأتي الوقت الذي تتنقي فيه أفكارك وأنت نائم. إن قدسية افكارك بالنهار ستصحبك بالليل.
تقول أريد أن أصل الي المحبة الكاملة. فأحب الله من كل قلبي ومن كل فكري، وأحب الناس كلهم حتي الذين يكرهونني جدا ويعادونني، وأحب الخير للجميع. فهل يمكنني أن أصل الي كل هذه الفضائل وهي تبدو صعبة وغير ممكنة ؟:. أقول لك: ابدأ بالقليل فتصل الي الكثير. أعني ابدأ بمخافة الله.
فإن كنت أمينا في حفظ فضيلة( مخافة الله) بذلك تحفظ كل وصاياه. حينئذ تبدأ تجد في حفظ الوصايا لذة روحية، وهكذا تحب الفضيلة وتحب الخير لجميع الناس. ثم تحب الله الذي انار عقلك هكذا.. وتكون قد وصلت الي المحبة التي تنمو فيها حتي تصل الي كمالها.
تقول وكيف احفظ الوصايا، بينما أنا أحب خطايا. كثيرة هي بلاشك ضد وصايا الله ؟! أقول لك: ابدأ بالتغصب، اي اغصب نفسك علي عمل الخير، واضبط نفسك عن ارتكاب الخطأ. فإن كنت امينا في التغصب، فستصل حتما الي محبة الخير. ذلك لأن المحبة ـ محبة الله ومحبة الخير ـ قد لا تكون نقطة البدء، إنما هي نتيجة لعمل روحي طويل. يبدأ بالتغصب حتي يصل الي الحب...
تقول وكيف أصل الي محبة الله ؟ أقول لك: ابدأ أولا بمحبة الناس بكل جدية وأمانة ونقاوة. لأنك إن لم تكن أمينا في محبة الناس الذين تراهم، كيف يمكنك أن تحب الله الذي لا تراه ؟! تقول وكيف اذن احب اعدائي ؟! أقول لك: ابدأ أولا بمحبة معارفك وأصدقائك. ثم تأكد أن العدو الوحيد الذي يحاربك ولا يمكنك أن تحبه هو الشيطان، ذلك لأنه ليس عدوك وحدك، بل هو عدو الله وعدو الخير، وهو الذي يحرض بعض البشر ضدك. واولئك ليسوا أعداء لك بالحقيقة، إنما هم ضحايا الشيطان الذي يحرضهم ضدك. وبهذا يتغير شعورك نحوهم، وتعطف عليهم كضحايا، وبالتدريج تحبهم وتطلب من الله أن يخلصهم مما هم فيه.
***
تقول كيف أصل الي فضائل الروح وهي أعمق بكثير من فضائل الجسد ؟!. أقول لك: ان الذي هو أمين في الفضيلة التي تمارس بالجسد، يرتقي الي فضيلة الروح. فالذي يصوم جسده عن الطعام، ويصوم لسانه عن الكلام الردئ، يتدرج الي ان يصوم ذهنه عن الفكر الشرير، وقلبه عن الشهوات الخاطئة.
ومن الناحية الاخري بخشوع الجسد في الركوع والسجود يمكن ان تصل الي خشوع الروح. وإن كنا أمناء في الأمور المادية الخاصة بالجسد، يقيمنا الله علي الأمور الروحية. وإن كنا أمناء في احتمال اخوتنا من البشر في الحياة الاجتماعية، يقيمنا الله علي مقاومة الشياطين في حروبهم الروحية. وأن كنا امناء من جهة الأمور التي نراها بعيوننا، يقيمنا الله علي ما لم تره عين...
لذلك يا أخي: كن أمينا علي ما في يدك، يقيمك الله علي بعض مما في يده هو، أي علي مواهبه الفائقة للطبيعة. وكن أمينا في استخدام امكانياتك المتاحة، فيقيمك الله علي ما لله. كذلك بأمانتك في مقاومة الخطايا الظاهرة، قادر الله علي أن ينصرك في الخطايا الخفية والشهوات.
وباختصار: إن كنت أمينا في هذا العمر القصير المحدود الأرضي، فإن الله يقيمك علي الحياة الأبدية في السماء.